مع تقدم الحكومات والمؤسسات نحو مستقبل شبه خالي من الانبعاثات الكربونية، يتطلع المستثمرون وغيرهم من الأطراف المعنية لتطبيق معايير خارجة عن نطاق المالية مثل معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة، كجزء من تحليلاتهم التي تحدد المخاطر المادية وفرص النمو المتاحة أمام الشركات التي يراقبونها.
وتعتبر هذه المعايير الآن أمراً محورياً في تحديد أهداف الشركات في جميع القطاعات، كما تتزايد أهمية دورها في إعادة صياغة سلوك الشركات وممارساتها. ويعني تبني الشركات لهذه المعايير موافقتها على إعطاء الأولوية للمبادرات التي تركز على سلامة الكوكب وسلامة الإنسان، والذي يعزز سمعتها، وبذلك تعمل بشكل دائم على مواءمة أهداف أعمالها وطرق قياس أدائها مع التزامات أوسع تتعلق بالاستدامة والنمو والتطور الاجتماعي.
قبل عامين، كانت الشركات تعتبر اعتماد معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة مجرد فائدة إضافية ، وكان من النادر أخذ هذه المعايير على محمل الجد.
أما اليوم فإن كبار الرؤساء في الشركات على دراية أوسع؛ فقد أصبحت هذه المعايير مواضيع نقاش بارزة في مجالس الإدارة، وأصبح الاضطلاع بها من مسؤوليات الرئيس التنفيذي أو الرئيس المالي. ويرجع ذلك تقريباً إلى أن هذه المعايير أصبحت لها صلة بجميع جوانب العمليات – من التصنيع إلى المبيعات والتسويق وحتى البحث والتطوير. ولقد أصبح لهذه المعايير تأثير مباشر على إجمالي مردود الشركات من مختلف العلامات التجارية، كما أن الشركات أخذت تنفق عليها من موارد ميزانياتها. لذا فإن انخراط الرئيس التنفيذي المالي وفريقه بهذه المعايير هو أمر منطقي ينعكس عبر القطاعات.
وفقاً لاستطلاع EY للرؤساء التنفيذيين في مجال الاستدامة العالمية، صرح 65% من المشاركين بأن رئيسهم المالي أصبح منخرطاً في الاستدامة.
وأشار المشاركون أيضاً إلى انخفاض بنسبة 74% في التكلفة وانخفاض في إدارة المخاطر بنسبة 61% باعتبارهما عاملين من المحركات الثلاثة الرئيسية لأجندة الاستدامة في شركاتهم، وكلاهما يحظى باهتمام كبير من جانب الرؤساء التنفيذيين الماليين.
ومن زاوية أخرى، نرى بأن قيمة العلامة التجارية للشركات غالباً ما تتجاوز ما تكشف عنه بياناتها المالية؛ فعلى أرض الواقع تشكل الأصول المعنوية للشركات ما يصل إلى 80% من قيمتها. وقد دأب المتخصصون في الشؤون المالية عبر التاريخ على حساب القيمة غير المالية ودمجها بشكل منهجي في تقاريرهم المالية.
أما الآن فقد أصبح هذا واقعاً ملموساً، مع ازدياد عدد الشركات التي أخذت تضمّن مراقبة أدائها غير المالي في مراجعاتها الاستراتيجية جنباً إلى جنب مع أهدافها في الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة.
وبأخذ هذه التطورات بعين الاعتبار بالإضافة إلى منظور معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة، فإن لدى الرئيس المالي وفريقه الآن ثلاث مهام أساسية:
• دمج الاستدامة ضمن القرارات، والعمل “كشريك تجاري” للمؤسسة.
• أن يكونوا نقطة دخول إلى المؤسسة من قبل المستثمرين والمراجعين وغيرهم من الأطراف المعنية الذين يستفسرون عن موضوعات تتعلق بالأداء غير المالي.
• تعزيز مصداقية مؤشرات الاستدامة في المؤسسة.
ونظراً لعدم وجود معايير إلزامية لمحاسبة الاستدامة، يتم الآن تكليف الرؤساء الماليين بضمان توافق ممارسات محاسبة الاستدامة في الشركات مع أفضل الممارسات المعتمدة عالمياً، كما أنهم الآن مسؤولون أيضاً عن تطوير وقياس وتحليل مؤشرات الأداء الرئيسية فيما يتعلق بالتأثيرات البيئية والاجتماعية لشركتهم، فضلاً عن مسؤوليتهم عن تولي عملية دمج المؤشرات ضمن اتخاذ القرارات وإعداد التقارير ذات الصلة عبر المؤسسة (على سبيل المثال، قرارات الإنفاق الرأسمالي). وقد باتت المؤسسات تدرك أيضاً فوائد دمج العمليات مع معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة وما ينجم من ذلك من فوائد مالية جمّة أيضاً. وقد وجدت الأبحاث التي أجرتها مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” في عام 2021 أن العديد من الشركات حققت مئات الملايين من الدولارات في الوفورات وحتى في تحقيق النمو من خلال مراقبة المقاييس غير المالية، مثل انبعاثات الكربون ومخرجات الطاقة وقياسات الاستدامة الأخرى.
ومع اضطلاع المتخصصين الماليين بشؤون الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة، فإن الرئيس المالي هو المرشح الأكبر للاستفادة من السمعة والفرص الاقتصادية التي سيجلبها ذلك إلى المؤسسة، وهو مدرك تماماً لحاجة فريقه إلى تضمين تغير المناخ والمبادرات الاجتماعية في عملية صنع القرار كحاجته لتضمين أسعار الفائدة أو التدفقات النقدية فيها. وبصفته المستشار المالي الرئيسي لمجلس الإدارة والمستثمرين والمساهمين، فإن الرئيس المالي هو أفضل من يقود استراتيجيات الاستدامة المبتكرة التي ستؤثر بشكل إيجابي على النتائج النهائية للشركة. ونظراً لأن الشركات تدمج مبادرات الاستدامة في عملياتها التجارية، فإن المساءلة عن تحول الاستدامة هي أمر لا مفر منه. والطريق إلى الأمام سيكون مفتوحاً لفرص جديدة وواعدة تعود بالنفع على الجميع.
بقلم: راس بورتر، الرئيس التنفيذي المالي، ونائب الرئيس الأول لشؤون الاستراتيجية والتكنولوجيا والتحليلات بمعهد المحاسبين الإداريين؛ محاسب إداري معتمد، ومدير مالي معتمد، وخبير معتمد في الاستراتيجية والتحليل التنافسي
الرابط المختصر: https://propertypluseg.com/?p=64898