صرّح الاستشاري المعماري الدكتور المهندس محمد طلعت، رئيس مجلس إدارة شركة “محمد طلعت معماريون”، بأن العالم يشهد تحولًا عميقًا في فلسفة العمارة الحديثة، يتمثل في بروز ما يُعرف بـ”العمارة البايومترية” (Biometric Architecture) — وهي المدرسة التي تسعى إلى مواءمة التصميم المعماري مع الخصائص الجينية والبيولوجية والسلوكية للإنسان، لتتحول الأبنية من كيانات جامدة إلى كائنات حية تتفاعل وتتكيف وتتعلم.
وأضاف طلعت أن هذا المفهوم يعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والمكان، بحيث لا تكون العمارة مجرد “بيئة تحيط بالإنسان”، بل امتدادًا جينيًا له، تُعبّر عن خصوصيته، وتُحاكي استجاباته الفسيولوجية والعصبية.
من بصمة الوجه إلى بصمة التصميم
و أوضح طلعت أن العمارة البايومترية تعتمد على تحليل البيانات الجينية والبيومترية للإنسان — مثل إيقاع ضربات القلب، تفاعل العين مع الضوء، معدلات التنفس، واستجابات الجهاز العصبي — ثم ترجمة هذه المعطيات إلى لغة تصميمية.
وقال طلعت إن الفكرة الجوهرية هنا هي أن لكل إنسان معمارٌ يناسبه بيولوجيًا، تمامًا كما أن لكل شخص بصمة فريدة.
وأشار طلعت إلى أن بعض مراكز الأبحاث في أوروبا بدأت بالفعل في تطوير “أنماط تصميم شخصية” (Personalized Design Patterns)، تُبنى وفق بيانات المستخدم الحيوية.
المبنى ككائن يتنفس
و أضاف طلعت أن العمارة البايومترية لا تقتصر على الشكل أو الجماليات، بل تمتد إلى أنسنة التكنولوجيا، بحيث يصبح المبنى قادرًا على التفاعل الحيوي مع مستخدميه.
وأوضح طلعت أن المباني المستقبلية ستُصمم لتراقب مؤشرات الحياة — كنبض السكان أو مستويات الأوكسجين أو الضوء الطبيعي — وتتكيف تلقائيًا للحفاظ على توازن الإنسان والمكان، كما أن العمارة البايومترية تجعل المبنى كائنًا حيًا يتنفس مع الإنسان، ويستجيب له، ويُعيد إنتاج طاقته في دورة بيئية متكاملة.”
العمارة والبيئة.. من الاستدامة إلى التفاعل الحي
وأشار طلعت إلى أن هذا التوجه يمثل قفزة من مرحلة “الاستدامة البيئية” إلى مرحلة التفاعل البيولوجي، حيث لا يكتفي المبنى بتقليل البصمة الكربونية، بل يُساهم في دعم النظم البيئية.
فالمواد الذكية المستخدمة في هذا النوع من العمارة قادرة على “إعادة تدوير” الطاقة الحيوية للإنسان، وتحويل الحرارة الجسدية أو أنفاس السكان إلى مصادر طاقة متجددة، حيث اننا ننتقل من عمارة تحافظ على البيئة، إلى عمارة تشاركها الحياة.”
تطبيقات مستقبلية وسيناريوهات تنفيذية
وذكر طلعت أن تطبيق هذا المفهوم في المنطقة العربية قد يبدأ بتصميم مبانٍ تعليمية وصحية تعتمد على البيانات الحيوية للطلاب أو المرضى لتوفير بيئة مثالية للتعلم أو العلاج، كما يمكن توظيف هذه التكنولوجيا في تصميم مساكن شخصية تتكيّف مع الحالة النفسية لسكانها، من خلال أنظمة ذكية ترصد تغيرات المزاج وتعدل الإضاءة ودرجة الحرارة تلقائيًا.
و لفت طلعت إلي أن هذه المرحلة تمثل ولادة فلسفة معمارية جديدة، تدمج بين علم الأحياء والذكاء الصناعي والتصميم الإنساني.
نحو هوية معمارية بايومترية مصرية
واختتم طلعت بالتأكيد على أن مصر تمتلك مقومات فريدة لتكون رائدة في تطبيق مفهوم العمارة البايومترية على المستوى الإقليمي، من خلال الدمج بين الإرث التاريخي المصري العميق وفكر التكنولوجيا الحديثة.
الرابط المختصر: https://propertypluseg.com/?p=158132











