صرّح المعماري الاستشاري الدكتور مهندس محمد طلعت، رئيس مجلس إدارة شركة محمد طلعت معماريون، بأن التحول الرقمي الذي تشهده المدن المعاصرة لا يُغيّر شكلها فقط، بل يعيد تعريف هويتها العميقة، موضحًا أن المدينة في الماضي كانت تُبنى بالحجر والخرسانة، أما اليوم فهي تُبنى بالمعلومات والبيانات والمعرفة.
وأشار طلعت إلى أن المدن الحديثة لم تعد مجرد شبكات من الشوارع والمباني، بل أصبحت كائنات معرفية تتغذى على البيانات اليومية وتعيد إنتاج نفسها باستمرار، وهو ما أطلق عليه مفهوم المدينة الواعية، أي المدينة التي تعرف سكانها، وتفهم أنماط سلوكهم، وتتكيف معهم في الزمن الحقيقي.
الذاكرة الرقمية بديلاً عن الذاكرة المكانية
وأوضح طلعت أن أحد أخطر التحولات التي أحدثتها التكنولوجيا هو استبدال الذاكرة المكانية بالذاكرة الرقمية.
فبعد أن كانت هوية المدن تُختزن في معمارها وشوارعها ومبانيها التاريخية، أصبحت اليوم تُختزن في قواعد بيانات وأنظمة سحابية وخوارزميات تتتبع الحركة اليومية للسكان.
وأضاف طلعت أن هذا التحول يطرح تساؤلات جوهرية حول معنى الانتماء، إذ باتت المدينة الحديثة تخلق شعورًا جديدًا بالهوية قائمًا على المشاركة الرقمية أكثر من الوجود المادي، وهو ما يتطلب من المعماريين إعادة التفكير في العلاقة بين المكان والذاكرة والانتماء.
التوازن بين الأصالة والحداثة الرقمية
وأكد طلعت أن الحفاظ على هوية المدن في ظل هذا التحول لا يعني رفض التكنولوجيا، بل تطويعها لخدمة الأصالة الثقافية.
وأوضح طلعت أن المعماري المعاصر أصبح مسؤولًا عن صياغة هوية هجينة، تجمع بين التراث المادي للمدينة وروحها الرقمية الجديدة، بحيث لا تفقد المدن شخصيتها المحلية وسط سطوة العولمة التقنية.
وذكر طلعت إن نجاح أي مشروع عمراني في هذا العصر لا يُقاس بجمال مبانيه فقط، بل بقدرته على التعبير عن الهوية الجمعية للسكان في بيئة رقمية متغيرة، تحترم الماضي وتستشرف المستقبل في آنٍ واحد.
وإستكمل طلعت بأن مصر تمتلك فرصة فريدة لصياغة نموذجها الخاص من المدن الواعية، مستندة إلى تاريخها الحضاري العميق، وخبراتها في بناء مدن جديدة تُدار بالذكاء الاصطناعي، ولكن بروح مصرية خالصة.
المدينة الواعية… الجيل القادم من العمران
واختتم طلعت بالتأكيد علي أن التحول نحو المدن الذكية يجب أن يتطور إلى ما يسميه بـ«المدينة الواعية»؛ وهي مدينة تفكر وتتعلم وتتطور بفضل البيانات، ولكنها في الوقت نفسه تمتلك حسًّا إنسانيًا يحافظ على القيم والثقافة المحلية، كما أن التحول الرقمي ليس مجرد تحديث للمدن، بل هو إعادة كتابة هويتها بطريقة أكثر وعيًا بإنسانها وتاريخها.
الرابط المختصر: https://propertypluseg.com/?p=153500