في خطوة استراتيجية جديدة، تستعد الحكومة المصرية للإعلان خلال أيام عن صفقة استثمارية ضخمة في منطقة رأس شقير على البحر الأحمر، بمشاركة أحد صناديق الثروة السيادية الخليجية، وفقاً لما كشفه مصدر حكومي رفيع المستوى لـ”إنتربرايز”.
الصفقة، التي تُعد الأولى ضمن سلسلة مشاريع تمتد على مساحة 174 مليون متر مربع، ستكون مدعومة بإصدار صكوك سيادية محلية، ستُخصص عوائدها بالكامل لمعالجة أزمة الدين العام المتضخم، بحسب المصدر.
ووصف المصدر الذي لم يتم الكشف عنه، الصفقة بأنها نقطة انطلاق لنموذج استثماري جديد، مستوحى من اتفاقية رأس الحكمة مع صندوق أبوظبي السيادي “أيه دي كيو”، لكن مع اختلاف جوهري: الأرض خُصصت رسمياً لوزارة المالية بقرار رئاسي، بهدف تمويل الدين العام عبر الصكوك، دون بيع الأصول أو التفريط فيها.
صكوك سيادية بمفهوم جديد
وتعتزم وزارة المالية دعوة صناديق الثروة السيادية الخليجية والمؤسسات الاستثمارية للاكتتاب في هذه الصكوك، التي ستكون مرتبطة بمشروعات محددة في رأس شقير، في إطار تمويلي جديد يتماشى مع توجهات دول مجلس التعاون الخليجي.
وقال، الخبير الاقتصادي مدحت نافع إن هذا النموذج يتيح للدولة استغلال الأصول دون نقل ملكيتها، مشيراً إلى أن الصكوك تعمل على توريق إيرادات الأصول وليس بيعها، على غرار سندات الإيراد.
رأس شقير.. وجهة استثمارية واعدة للطاقة والسياحة
المشروع الجديد يُتوقع أن يشمل استثمارات في الطاقة المتجددة، الهيدروجين الأخضر، السياحة، والصناعات الثقيلة، ما يعزز من جاذبية المنطقة كمركز استثماري إقليمي.
ورغم عدم الكشف رسمياً عن هوية الصندوق الخليجي، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت جولات حكومية في عدد من دول الخليج لتحويل ودائعها لدى البنك المركزي المصري إلى استثمارات، فضلاً عن تعهد قطري باستثمار 7.5 مليار دولار في مصر، بالإضافة إلى وديعة كويتية بقيمة 4 مليارات دولار يستحق نصفها في سبتمبر المقبل.
مشاريع خضراء قيد التنفيذ
وتشهد رأس شقير بالفعل اهتماماً متزايداً، إذ وافق مجلس الوزراء على إنشاء منطقة صناعية خضراء للبتروكيماويات والهيدروجين الأخضر، إلى جانب مشروع ضخم لطاقة الرياح بقدرة 550 ميغاواط تنفذه “أكوا باور” السعودية و”حسن علام”.
وتأمل الحكومة أن يسهم هذا النموذج في تنشيط سوق رأس المال المحلي، وخلق سوق ثانوية للصكوك السيادية، ما يعزز من مرونة استراتيجية الدين ويجذب استثمارات أجنبية مباشرة، تستهدف الوصول إلى 42 مليار دولار في العام المالي المقبل، و55 ملياراً بحلول 2029/2028.
من جانبه، قال النائب السابق في مجلس النواب المصري الدكتور محمد فؤاد، إن اللجوء إلى إصدار أدوات دين مدعومة بالأصول، أو ما يُعرف بـ”التصكيك”، ليس جديدًا سواء على مصر أو في السياق المالي العالمي.
وأوضح أن مشروع موازنة 2025-2026 يتضمن بالفعل بندًا لتحسين كفاءة إدارة الأصول، خصوصًا غير المستغلة منها، دون أن يتطرق تحديدًا إلى تخصيص الأراضي، وهو ما أثار جدلًا عند طرحه مؤخرًا.
وفي مقابلة مع “العربية Business”، أضاف فؤاد: “التصكيك في النهاية هو أداة مالية لتحويل أصل مملوك للدولة أو تدفقات نقدية مستقبلية إلى أوراق مالية، ويتم ذلك من خلال مقابل حق الانتفاع بها في السوق، عن طريق شركات خاصة لهذا الغرض تُعرف باسم SPV (شركات ذات غرض خاص)”.
التصكيك لا يلغي العبء
وأكد أن “النقطة المثارة هنا أن التصكيك لا يلغي العبء، بل يغير من شكله محاسبيًا، حيث إنه لا يُسجل كدين بل كمصروف. وبالتالي، إذا أصدرت الدولة صكوكًا بقيمة 4 مليارات جنيه مثلًا، وتم استخدام المبلغ لسداد ديون، ستنخفض الديون محاسبيًا بهذا المقدار، ولكن الصكوك نفسها لن تُسجل كدين بل كمصروف، وبالتالي يبقى العبء قائمًا”.
وعن ملكية الأصل، أوضح فؤاد أن الأصل لا ينتقل إلى حامل الصك، بل إلى شركة الغرض الخاص التي تصدر الصكوك، وقال: “حامل الصك لا يملك الأصل إلا في حالة التعثر، ووقتها قد يُطلب تسييل الأصل، لكن لا يحق له الأصل قانونيًا بشكل مباشر”.
وأكد أن: “الفكرة هنا أن الأصل لا يتم نقله إلى المستثمر، ولكن يتم تمويله عبر شركة خاصة، ولا يعتبر عبئًا ضمن الدين العام، بل كمصروف تأجيري أو تمويلي”.
وأوضح أن التحدي الحقيقي يكمن في أن “هذا الأصل ليس مدرًا للدخل، وبالتالي تظل وزارة المالية مسؤولة عن خدمة هذه الصكوك دون وجود تدفقات نقدية تغطيها، مما يعني أن العبء لم يُحل بل نُقل من بند إلى آخر”.
وشدد فؤاد على أن المسألة تتطلب وضوحًا في السياسات، مضيفًا: “نحن بحاجة إلى وثيقة سياسات للتصكيك تحدد ما هو الأصل المؤهل، من هي الجهة المسؤولة، ما هي خطة استخدام العوائد، من سيدير البرنامج، ما هو شكل الالتزام بالعائد، وماذا يحدث في حالة عدم السداد”.
الرابط المختصر: https://propertypluseg.com/?p=143739